السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسعد الله مساءك بكل خير، كيف حالكم وحال من تحبون،
أنا فتاة من …. أبلغ من العمر ١٦سنة، أدرس بثانوية مختلطة العام الثاني. وعلمت أن الله فرض على المرأة الوقار في البيت وإذا أرادت الخروج أن تستتر وتلبس النقاب لكترة الفساق والنقاق وأنا اقتنعت بذلك من حظرة الشيخ ابن عثيمين.
ولكن مع الأسف أهلي عائلة علمانية وترفض أن لا أكمل دراسة وتحب أن أكون من النساء السافرات ولا يقبلون النقاب ولكن يسخرون مني ويضيقون علي ويسمونني إخوان. وبعد أن منعت أبناء عماتي من السلام علي سمون متكبرة وإخوانية.. وبعد أن لبست ثوبا مستورا يقولون فقيهتنا بسخرية وهذا يؤذيني جدا. وزيادة على هذا لا أستطيع أن ألبس النقاب في التانوية لأنني سأتعرض لسخرية والضغط الشديد. ولا أستطيع أن أقر في البيت أيضا لأن أبي يمنعني من ذلك.
فهل لك أن تنصحينني؟
وأريد أيضا أن أطلب العلم الشرعي فهل يمكنك أن تدليني على المنهجية ؟
وآخر شيء أجد عند أهلي بعض الخرافات وأدلهم على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن في نهاية المطاف لا يستمعون أو يقولون كلاما جارحا فما نصيحتكم ..؟ أنا في أحواج الأمر إلى نصحك. فجزاك الله خيرا ماذا سأفعل؟
والسلام عليكم جزاك الله خير وبارك الله فيك.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله وبارك بك وأحسن إليك.
أمامي الآن رسالة يتكرر محتواها بتفاصيل مؤلمة من فتيات في مثل سنك وأكبر قليلا، المشكلة نفسها، وسط أسري يحارب الستر والعفاف والاستقامة ويحث على السفور والانحلال والاختلاط وكل ما يفسد حياء المرأة ودينها وهذه من أقسى الفتن التي تتعرض لها المسلمة، وهي من أمارات غربة الدين الشديدة التي وصلنا إليها ولكن! في الوقت نفسه هناك بشرى عظيمة بين ركام الجاهلية الذي نشتكي منه، فعدد مبشر من المسلمات مثلك، يبحثن بين هذا الركام عن النور ويتمسكن بالقرآن والسنة ويكافحن للثبات رغم أنهن لوحدهن، يواجهن صدودا ومعاندة وسخرية، فيخضن الملحمة بكل ما يحملنه من ضعف وحاجة نفسية لسند وأسرة تعتني بحبهن للالتزام والاستقامة الذي هو بالأصل فطرة ولكننا في زمان الحرب على الفطرة!
هذه الرسالة ورسائل أخرى مثلها، تدفعني بشدة إلى التذكير بمصابنا الجلل، فمشكلتنا اليوم لا يمكن معالجتها بالاجتزاء كما يفعل البعض وبالفصل عن الواقع كما يصر البعض، بل يجب الاعتراف أن المنظومة كاملة فاسدة من رأس الحكم إلى أصغر أسرة إلا من رحم ربي!
فالوسط يحارب التدين حتى في عمق الأسر التي يجب أن تكون المحضن الآمن لكل مسلم ومسلمة، بل على العكس من ذلك نرى صفاقة وجرأة وغرورا ولا مبالاة في محاربة الفضيلة والاستقامة، وكل هذا له أسبابه، وعلى رأسها استمرار التماهي مع الباطل والانحرافات بحجة العجز وعدم القدرة على التغيير حتى أصبحنا نعاني معضلة مجتمعات برمتها تحارب الفضيلة!
من كان يتوقع أن الرجل المسلم يقبل على نفسه أن تخرج ابنته متبرجة أو أن تختلط بالرجال؟! من كان ينتظر حلولا شافية لانشغال منابر الدعوة في إصلاح المرأة بينما تُهمل بالموازاة دعوة إصلاح الرجل حتى أضحى هذا الإهمال معول هدم لكل جهود إصلاح المرأة؟!
هذا ما يحدث اليوم، كل فتاة قررت الالتزام اصطدمت أول استقامتها بوالدها ووالدتها!
حرب ضروس تندلع لمجرد أن تطالب الفتاة بالحجاب الشرعي، تضييقات وسخرية وأذية نفسية لمجرد أن تتمسك بالسنة، اتهامات وعدوان وبغي وتهديد لمجرد أن قررت اعتزال الاختلاط!
أي غبن تعيشه الأسر التي تسمى مسلمة في زماننا!
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ثم الاستشارات تتباين من حيث حجم الأذية فمنها ما وصل لحالة “فوبيا التدين” و”الرهبة من التصنيف” و”الانتكاس” و”الوسواس القهري”، فليست كل النفوس سواء في ثباتها وصمودها ولا بد أن تتباين القلوب في قوتها، فكيف بغصن طري يواجه الريح العاصف بلا أدنى سند ومعونة!
واقع مؤسف جدا وبوابة فتن تفتح على الفتيات منذ سن صغيرة، ويصبح بذلك الثبات عزيز وعزيز جدا، وما يزيد الطين بلة أن مثل هؤلاء الفتيات في أسر ظاهرها معلوم بنبذ الحياء، يحرمن الزوج الصالح الذي يطرق بابهن، فتزيد المسافة طولا بينهن وبين فرصة الزواج من رجل يرتضين دينه ويعينهن على مسيرة نحو الجنة بإباء فيتزوجن رجلا يفتقد الالتزام تفرضه الأسرة، فضلا عن كون الرجل الملتزم الذي يعاني الغربة بنفسه لا يجد خيارات تشد أزره في مسيرته ويضطر للتنازل والذهاب لأفضل المتاح أمامه وأفضل المتاح ليس هو تماما ما ينشده ومن تنازل إلى تنازل، ينتج عن ذلك أسر مهددة بالتفكك وأرواح تتعذب وتفتقد لوجود دور إصلاحي في المنتصف يحل هذه المشكلة فالوضع معقد جدا والمعطيات غير مشجعة أبدا! لندرك أن علاج مشاكلنا لن يكون ممكنا بدون إقامة كاملة لشريعة الله تعالى في المجتمعات وغير ذلك قد نحقق بعض النصر هنا أو هناك لكن هزائمنا وخسائرنا لا تزال مثخنة محققة.
نرجع لفتياتنا اللاتي أحببن الالتزام والستر والعفة، ثم عارضهن أقرب الناس لقلوبهن، وتبدلت معاملة أكثر الناس مكانة في نفوسهن، فكيف تواجهين أيتها الأبية كل هذه الجاهلية لوحدك!
ولنتأمل هذه المفارقة قبل كل تفصيل، بالأمس حين انصاعت الفتاة لمعايير “حريتهم” كانت المحببة والمقربة، وحين قررت الستر والالتزام، هُجرت وعُنفت وقُبحت! فكان ألما مضاعفا، ألما لخسارة مكانتها كابنة، وألما لخسارتهم كأهل، فلم تعد تراهم كما كانت من قبل لقد تحطمت الصورة الجميلة وتبدد شعور الأمان. لذلك فهذه قضية يجب أن تعالج ولعلاجها ألخص التوصيات التي أوجهها لجميع الفتيات في مثل حال السائلة.
1- الشكر أولا
إن هداية الله تعالى لك في هذه السن وهذه الظروف لحكمة عظيمة ودلالة خير عميم فليكن أول استجابة لهذه الهداية الشكر المديد، فأديمي شكر نعمة الهداية واحمدي الله تعالى أن بصّرك بما ينفعك وقذف في قلبك حب الفضيلة والاستقامة في وسط يحارب كل ذلك فهذا اصطفاء يستوجب الحمد والشكر بلا غفلة ولا تسويف.
والشكر قول وفعل، فلا يكفي أن تحمدي الله على أن هداك لدينه وحب شريعته إنما يجب أن يرافقه الشكر العملي، وهو الثبات على العبادات والفروض ومزيد تمسك بحجابك وسترك، ومبادئك التي تدافعين عنها، ولتحقيق ذلك بقوة توجب التأييد الرباني، عليك أن تهتمي بتحصيل نصاب من العلم الشرعي لا أقول التعمق في علم الشريعة ولكن النصاب الكافي لتعبدي الله تعالى كما يحب ويرضى، فتبدئين من فقه الطهارة والعبادات لتحيطي علما كيف تؤدينها مهتدية بهدي السنة من كتب أئمة أهل السنة، وتحرصين كل يوم، في الصباح والمساء وبشدة على الأذكار اليومية وورد القرآن العظام، فهو زادك وهو الدرع التي تقاتلين بها وتحتمين بها! وأقول تقاتلين لأنك قد تتعرضين لمزيد هجوم كلما ثبت واستقمت والتزمت بشريعة الله تعالى ولكنك المنتصرة في نهاية المطاف، لأنك تقيمين حجة على من خالف وانحرف وبدل، واستقامتك تؤلمهم لأنها صنيع قدوة تخاطب ضمائرهم في الأعماق، فيفضلون إقصاء المشهد الواعظ عن التوبة والاستدراك! لكن مع بعض الصبر نتوقع نتيجتين اثنتين: إما أن تخمد أحقادهم على الالتزام ويرون الخير فيه ويعجبهم حسن خلقك وقوة مواقفك فتتحولين لمقبولة لديهم ويتغاضون عما يزعجهم فيك وفي ذلك تربية على الحق لهم طال الزمن أو قصر، وإن اشتدت التكلفة أو قلت. فالله تعالى مولاك وناصرك.
وإما أن تستمر المضايقات ولكنها لن تكون بالحدة نفسها فمع الوقت يستسلمون للأمر الواقع ومشاغل الدنيا تشغلهم .. وستكون لديك مساحتك الخاصة تعيشينها بحريتك. وتضطرين لغض الطرف عما يكدر جوك أو يحاول إيذاءك.
فرض الاحترام بالالتزام
وفي الحالتين تمسكك بدينك والالتزام به يفرض الاحترام لك والتعايش معك ولو بعد حين ولكن لتحقيق ذلك أنبه على أمرين مهمين:
الأول: تجنبي تماما أي مصادمة ونقاش واقتتال يستنزفك، واجعلي ردودك هادئة وواضحة وصريحة ولا يستدرجك أحد للجدالات، ولتقتصر ردودك على الأصول بدون تشعب: فقط أحب الستر، أحب الحجاب، أحب الالتزام بفريضة الإسلام، ركزي على معالم الحق وعلى الفرائض التي هي في هذه الحال حق لك.
ثانيا: لا تعطيهم فرصة لذمك، فاعتني بنفسك بدينك وبأخلاقك بواجباتك نحوهم، وقدمي نموذج الفتاة الصالحة مهما فجروا معك .. فأنت تتعاملين معهم بالبر في سبيل الله تعالى تبتغين مرضاته ورحمته.
إلى هذا الحد ستحققين مكاسب بلا شك ولكنها غير كافية وفد تحتاج لوقت أطول للتأثير في واقعك لذلك أرى أن تتحلي بالصبر ثم تقربي من أكثر شخص مؤثر في البيت وقد يكون في حالتك والدك أو والدتك، وحاولي أن تقوي رابط الثقة بينكما، من حيث المحبة والإحسان والخدمة والاحترام ولا بد أن النفس تميل لمن يحسن إليها ويحترمها فستتولد ثقة وحماية لك بدون تخطيط، لكنها تحقق درجة من الأمان لك. حدثيه أو حدثيها بكل محبة ومودة أنك تحبين الله تعالى فلا يحرمونك محبة الله جل جلاله لعلك تطرقين نقطة صدق في القلوب!
كيف تواجهين الهجمات المؤذية؟
في أحسن الأحوال لن يكون الاعتراض على تدينك إلا مواقف تعيشينها عند محاولة الخروج بحجابك، أو أداء فرائضك أو رفض المشاركة في منكر ومخالفة، فهنا تجتمع شياطين الجن للوسوسة، وتجد نفوسا هشة يسهل انجرارها ولكن أكثر ما سيفعلونه ضدك هو السخرية، ليشعرونك بقبح ما تفعلين وهو الحسن أو لإرهاب قلبك وصناعة الجبن فيه بتخويفك وتهديدك وصناعة شعور جلد للذات بداخلك، بينما الموقف موجب للشجاعة والتجلد إن أحسنت الإعداد والتزود! لا تنهزمي!
وعند كل هجمة استنقاص منك لا تلتفتي لما يقال ولا تستمعي له ولا تأخذيه محل اهتمام وتذكري أن النصر صبر ساعة وتعاملهم معك ينبني على ما عودتيهم عليه، فإن تعودوا منك الهدوء وعدم الانفعال والزرانة والثبات على الالتزام فسيملون من السخرية ويدركون أن هزيمتك فكرة فاشلة، وإن رأوا منك سرعة التنازل عن فريضة والاستهانة بأمر أمره الله عز وجل لمجرد سخرية، فتوقعي مزيد عدوان وبغي بل ومحاولة إذلال، لذلك حافظي على الحد الأدنى الذي لا تنزلين بعده واستعلي بإيمانك ما دام القرآن والسنة في قلبك. ومن أراد العزة بالإسلام أعزه الله وإن رغمت أنوف.
قال إبراهيم الخواص رحمه الله:
على قَدْر إعزاز المرء لأمر الله يلبسه الله من عزّه، ويُقيم له العزَّ في قلوب المؤمنين.
[صفة الصفوة 4/348].
كوني حيث أمر الله تعالى ولا تبالي ..
قال زيد بن أسلم:
كان يُقال:
من اتَّقى الله أحبه النَّاس وَإِن كَرهُوا.
(الفوائد صـ 54)
دارِهم ما دمت في ديارهِم
ولكن قد تضطرين لبعض التأجيل لمشاريعك المحببة، كلبس النقاب والقرار في البيت إلى حين يأذن الله تعالى وتأتيك فرصة مواتية، وهذا يعني الاضطرار للصبر على تأجيل لبس النقاب حتى تلين قلوبهم أو يتيسر لك الزواج من رجل تقي يحمل غيرة محمودة.
وتضطرين إلى الدراسة في وسط مختلط حتى يأتي فرج الله تعالى لأمته ويغنيك الله عن هذا العناء والبلاء، ولكن لا يعني ذلك قبول واقع الدراسة المختلط بدون الضوابط التي ستخفف من أثر الاختلاط ولو نسبيا إن صدق الالتزام، وسألخصها لك في نقاط، لأجل سلامة قلبك وسلامة أهدافك.
- الحجاب الشرعي احرصي عليه واجتهدي في تمامه، وتجنبي الزينة والتحايل فيه.
- الامتناع تماما عن التعامل مع الرجال، ولست بحاجة لذلك، إلا ما كان فيه ضرورة ملحة وحاجة واجبة وبدون خضوع بالقول أو إطلاق بصر.
- تجنبي قدر المستطاع كل تجمع مختلط وانأي بنفسك على الشللية والصحبة مع من تستحل العلاقات مع الرجل الأجنبي.
- الحرص على صحبة تحمل الإسلام في قلبها فإن لم يوجد فمصفحك والسماء وفي ذلك تمام الغنى والرضى.
- اختيار اختصاص يناسب فطرتك وأهدافك بنية الإخلاص لله عز وجل وطلبه في سبيل الله تعالى لخدمة دينك، وليكن أقل الاختصاصات احتكاكا بالاختلاط ويمكن أن يكون اختصاص تسهل عليك متابعته في البيت.
- الابتعاد عن مجالس اللغو والسخرية والانشغال بسفاسف الأمور والاستعاظة عن ذلك بالقرآن والقراءة النافعة .. يا لجمال صحبة الكتب، ويا ليتك تسطرين جدولا لحفظ القرآن الكريم فورد يومي ولو كان نصف صفحة يوجب ترميم قلبك وقوته وبصيرة في الدين أنت الأحوج لها.
- سطري لنفسك جدولا يعتني براحتك النفسية ووقت تسلية مباحة أو هواية ملهمة وتفكر واسترخاء، لا تجهدي نفسك بالتفكير، فقط أعظمي التوكل على الله تعالى وأنت محسنة الظن به جل جلاله. وكلما شعرت بحاجة للاهتمام بنفسك، فاهتمي بأنوثتك وجمالك وبمعرفتك بهذا العلم والفن، ودللي نفسك بطبق تحبينه وبتفاصيل تسعدك، ففي ذلك وقفة تزود للنفس التي تجاهد.
- ابتعدي عما يكدر نفسك ويفسد عليك صفاءك تجنبي الخوض في الجدالات والنقاشات العقيمة، واهتمي ببناء مهاراتك العلمية والأدبية وتقوية قلبك وعباداتك القلبية.
- طلب العلم كمنهجية، في إجابة لسؤالك، يفضل أن تنطلقي ابتداء من القرآن العظيم وفي أقرب فرصة بإذن الله تعالى سأوفر دليلا لطلب العلم الحر للنساء، بدون حاجة للانضمام لبرامج وأكاديميات، يكون جدوله مرنا ومناسبا لظروف كل امرأة، أيا كان سنها ومستواها التعليمي، وإلى أن أفي لهذا الموضوع بحقه، أرجو منك أن ترابطي على القرآن بالحفظ والتفكر والقراءة في التفاسير فهو بوابة الفتوحات العلمية.
- استشيري ولا تتقوقعي، كلما شعرت أنك بحاجة للحديث والفضفضة والاستفسار والتبيّن راسليني وراسلي من تثقينهن. ولا تتركي الأفكار والشبهات تتراكم، واستمري على المعالجة الفورية لكل ما يشغلك لتسيري على نور من الله تعالى وثبات.
سددي وقاربي
النفس تمر بحالات ضعف وقوة، هذا أمر طبيعي، فقد تشعرين في فترة من الفترات أنك قادرة على مواجهة العالم كله بكتيبة الحق في قلبك. وفي فترات أخرى تشعرين أنك الطفلة الصغيرة التي تحتاج لحضن يحتضنها ويخفف عنها تكاليف الحروب التي وجدت نفسها تخوضها لأجل حق الإيمان!
أعرف تماما أن هذا الشعور تعيشه فتاة في مثلك سنك ولكن تذكري أن الحرمان والفقد من الابتلاء له أجره بإذن الله، فاحتسبيه ليخف أثره في نفسك واستحضري سير أمهات المؤمنين والصحابيات رضي الله عنهن لتقتدي بصبرهن وثباتهن وأخلاقهن وأهدافهن.
الله تعالى ينظر لقلبك وعملك، ويعلم كل ما تعيشينه وما تمرين به، فاجعلي صلتك بربك هي الأقوى ولا تفوتك مواقيت الدعاء في مواطن الاستجابة واجتهدي في أدب الدعاء وبثي ضعفك وحزنك لمولاك عز وجل. ففي هذا البث لوحده شفاء!
سددي وقاربي ولا تشدي على نفسك، فما لا يدرك كله لا يترك جله وقليل دائم خير من كثير منقطع ولا تحملي نفسك ما لا طاقة لك به، وسايسي من يعاندك ويعيق مسيرتك حتى يأذن الله تعالى بالفرج. وكلما تمكنت من تحييد الأعداء حققت نصرا. فاجتنبي الاستعداء والمصادمة قدر المستطاع.
واسألي الله لهم الهداية، فلرب خير يناله أحبتك خير من كل مداراة في باطل ومنكر وإن كان بكره منهم. ولا تشددي في إنكار منكراتهم يكفي تنبيه واحد ومعرفتهم بموقفك منه، وتذكري قول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
احذري الخطأ مرتين، فأنت في موقع لا يتحمل الخطأ في أمور الدين لذلك تعلم دينك مهم جدا، ومن أئمة السنة لا تغامري في ساحة بدعة، واجعلي منهجك ما كان عليه سلف الأمة رضي الله عنهم، وثقات العلماء. كي لا تنحرف بك المسيرة لتيار جارف أو كبوة ضعف. ولتكن بدايتك من حلية طالب العلم.
واحذري أن تضعفي لنقص عاطفة أو فقد مشاعر إحسان، لأنها نقطة ضعفك الأكبر كفتاة جميلة مشرقة، تواجه عالما موحشا وبشعا! واحذري لصوص الأعراض بشدة وكل من جاءك من طريق لا يرضاها الله تعالى صوني نفسك واحفظيها منه. وفي القرآن غنى لك عن كل فقد وأنس لك في كل وحشة.
الحياة في مثل هذه المعطيات التي تصفين ليست معادلة حسابية، بل هي حقيقة تعتمد بشكل كبير على الصبر والتوكل، لذلك تعلمي الصبر والتوكل وأقيمي نفسك عليهما لتنالي بركات ذلك. ولا تجزعي لحادثة أو موقف يهزك فكم في التغاضي من حكمة وبصيرة وبعد نظر.
واستحضري في كل لحظة ضعف أو ملل! حقيقة أن الغيب يعلمه الله وحده لا شريك له، ولا ندري لعل الموت قريب ولعل الله يحدث أمرا يقلب به معطيات حياتك كلها، فأحسني الظن بالله عز وجل.
دع المقاديرَ تجري في أعَنّتها
ولا تبيتنّ إلا خاليَ البالِ
ما بين غَمضةِ عَين وانتباهتها
يغيّر الله من حالٍ إلى حالِ
وفي الختام، لا تخشي أحدا في حق أمر الله به تعالى ونصره، فهو حق منصور مؤيد ومن نصره حظي بنصرة الله عز وجل والمؤمنين، ولن تعدمي التأييد بإذن الله تعالى إن صدقت وأخلصت في استقامتك.
سعيدة بشجاعتك في كتابة هذه الرسالة وأرجو أن أسمع أجمل الأخبار عنك في قابل الأيام. وما عند الله خير وأبقى فلتمض هذه الدنيا.
(وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَىٰنَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ)
أطال الله عمرك على طاعته و زادنا إفادة من علمك الغزير
ربي يجعله حجة لك لا عليك